اقتصاد

أسباب ظهور السوق السوداء ‘Black Market’ وأثرها على الإقتصاد

أسواق غير قانونية موازية للسوق الرسمية تنشأ لعدة أسباب تكون الدولة المتسبب الأول فيها.

إقرأ في هذا المقال
  • ماهي السوق السوداء
  • أسباب ظهور السوق السوداء
  • أمثلة على السوق السوداء
  • كيف تحاول الدول القضاء على السوق السوداء

السوق السوداء أو “سوق الظل” هي مصطلحات إقتصادية تطلق على الأسواق الغير رسمية أو الغير مرخصة المتعلقة بكل ما يباع ويشترى من سلع أو خدمات، وتنشأ نتيجة لأسباب أو قرارات إقتصادية خاطئة.

فما هي أسباب نشأة السوق السوداء؟ وماذا تفعل الحكومات للقضاء عليها؟ وما هو تأثير تلك الأسواق على الإقتصاد؟ ولماذا يتم غض الطرف عن السوق السوداء في بعض الدول من قبل الحكومات؟ سنتعرف على الإجابات سوياً من خلال هذه المقالة.

– ماهي السوق السوداء؟

السوق السوداء (بالإنجليزية: Black Market) هي عبارة عمليات تبادل تجاري للسلع والخدمات بطريقة غير رسمية وغير مرخصة، وتشمل المتاجرة في السلع أو الخدمات الشرعية مثل تجارة العملة والمواد الغذائية والبترول وغيرها، وتشمل كذلك السلع والخدمات المحرمة مثل المخدرات وتجارة الأعضاء وتجارة البشر وغيرها.

وقيل أن أول ظهور لها في التاريخ كان خلال الحرب العالمية الثانية بسبب فرض قيود صارمة على بعض الأدوية والمواد الغذائية التي كانت بعض الدول المتضررة بحاجة ماسة لها، لتضييق الحصار عليها.

ومن الناحية الإقتصادية فهذه الأسواق تحقق عائدات وأرباح ضخمة لصالح التجار في معظم الأحيان، وتمثل إقتصاداً موازياً للإقتصاد الرسمي لذلك تسمى أيضاً (إقتصاد الظل).

ولكنها تحقق خسائر كبيرة للدولة، فالدولة لا تستطيع تحصيل ضرائب أو رسوم على تلك الأموال الضخمة المتداولة في السوق السوداء، في حين أن الكثير من دول العالم تعتمد بالمقام الأول في دخلها القومي على الضرائب.

– أسباب ظهور السوق السوداء

تنشأ السوق السوداء لسببين، الأول هو الهروب من قيد الأسعار التي تفرضها الدولة على السلع والخدمات، والثاني هو الرغبة في التهرب من الضرائب التي تفرضها الدولة أيضاً على السلع والخدمات.

وأسعار السوق السوداء تكون أعلى من السوق الرسمية إذا كان الطلب على السلعة أو الخدمة مرتفع، وتكون أسعارها أقل من السوق الرسمية إذا كان الطلب على السلعة أو الخدمة منخفضاً.

– مثال على السوق السوداء التي تنشأ بسبب ‘تحديد الأسعار’

“تجارة العملة” فالدولار في مصر كان في البنك المركزي يساوي ٩ جنيهات، ولرغبة الدولة بالحفاظ على الإحتياطي النقدي لم تضخ مايكفي من العملة في البنوك لسد إحتياجات السوق، فكلما ذهبت لشراء الدولار لاتجده.

فلما كان من المستحيل الحصول على الدولار من البنوك، قام كل من لديه دولارات بسحبها وعرضها بسعر أكبر خارج البنوك، خصوصاً منذ أبدى الباحثون عن الدولار إستعدادهم لشرائه بأي ثمن.

ظل سعر الدولار يرتفع في السوق السوداء إلى أن أصبح يساوي ١٩ جنيهاً مقابل الدولار الواحد بدلاً من ٩ جنيهات، فأحدث ذلك خللاً إقتصادياً منه على سبيل المثال:

١- هروب المستثمرين بسبب القلق من وجود سعر رسمي غير حقيقي ومتدني للعملة المحلية في البنوك، مع وجود أكثر من ضعف هذا السعر في السوق السوداء.

٢- فضل أصحاب الدولارات تداولها في السوق السوداء لإرتفاع قيمتها، وأحجموا عن إيداعها في البنوك لإنخفاض قيمتها، فأدى ذلك إلى إنخفاض الدولار في البنوك.

٣- إرتفاع أسعار السلع المستوردة التي تمثل أكثر من ٦٠٪؜ من السلع الموجودة في السوق، بسبب إستيرادها بسعر الدولار الغير رسمي.

– مثال على السوق السوداء التي تنشأ بسبب ‘التهرب الضريبي’

السوق السوداء في التوظيف، ففي معظم دول الغرب تفرض ضرائب كبيرة على الموظفين تستقطع من رواتبهم تصل إلى ٤٠٪؜، وتفرض ضريبة كذلك على أصحاب العمل.

فيبدأ بعض أصحاب العمل بالهروب من تلك الضرائب عن طريق توظيف المهاجرين مقابل رواتب أقل يرضى بها العامل لعلمه أن الدولة لن تستقطع ضرائب من هذا الراتب ولا من صاحب العمل، وهذا فيه مصلحة للطرفين.

– كيف تقضي الدول على السوق السوداء

منذ أن تعرفنا على السببين الرئسيين في نشأة السوق السوداء (فرض الضرائب – تحديد الأسعار) نفهم بشكل بديهي أن القضاء على السوق السوداء يتطلب القيام بإجراءات تتعلق بهما، إما تقليل الضرائب أو تحرير الأسعار.

ويمكن الرجوع إلى مقالة ‘من الذي يحدد أسعار السلع في الأسواق’ عن أهمية (عدم) تحديد الأسعار وتركها للعرض والطلب، وكيف تتعامل الأنظمة الثلاثة (الإسلامي والرأسمالي والإشتراكي) مع مسألة تحديد الأسعار.

ومع كون بعض الحلول قد تضر نسبياً بالإقتصاد، تصبح الدولة بين خيارين، إما غض الطرف عن السوق السوداء وتركها لتتفشى وتحدث خلالاً إقتصادياً، أو تقليل الضرائب بالتالي يقل الناتج الإجمالي المحلي (الدخل القومي) للدولة.

فعندما أرادت الدولة القضاء على السوق السوداء للعملة التي ضربنا لها مثالاً في الفقرة السابقة، خصوصاً وأن الدولار كان قريباً من سقف الـ١٩ جنيه للدولار الواحد، أي أكثر من ضعف سعره الرسمي في البنك المركزي، سعر لم يشهده الجنيه مقابل الدولار في تاريخه.

ماحدث ببساطة أن البنك المركزي قام بتحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، العملية التي عرفت بالتعويم، والتعويم هو ترك قيمة العملة تتحدد بناءً على العرض والطلب.

يعرف التعويم الذي حدث في مصر بالتعويم الكلّي، وقيل أنه كان بناءً على طلب ‘صندوق النقد الدولي’ إلا أن ما يهمنا هو أن هذا الإجراء قضى تماماً على السوق السوداء للعملة وقتها.

فإنخفضت قيمة الجنيه بواقع الضعف مقابل الدولار ليصل إلى ١٧ جنيه مع التغير بالصعود والهبوط الطفيف، فبدأ الناس بإيداع الدولارات في البنوك، للحصول على الفوائد.

لتعود الدولارات المتداولة في السوق السوداء للبنوك تدريجياً، ليتم بذلك القضاء على السوق السوداء بعد حوالي شهرين تقريباً من هذا الإجراء.

إضطرت الدولة لتخفيض قيمة عملتها للقضاء على السوق السوداء، والحفاظ على إحتياطي العملة الأجنبية، وعززت هذا الإجراء بفرض ضرائب باهظة على السلع المستوردة، وفرض قيود تعجيزية على شركات الإستيراد والتصدير، كون الإستيراد أكثر الموارد إستنزافاً للدولار.

الخلاصة

مما سبق يتبين أن السوق السوداء تحدث لسببين وهما الهروب من أسعار محددة تضعها الدولة لسلعة معينة قد تكون غير مجزية للتجار أو غير حقيقية، أو للهروب من الضرائب الباهظة.

وللقضاء على السوق السوداء تضطر الدول لإتخاذ إجراءات يكون فيها ضرر إقتصادي حتمي ينتج عنه زيادة في الأسعار، أو تقلص في الناتج الإجمالي المحلي، أو هبوط لقيمة العملة المحلية وغير ذلك من الأضرار.

فلك أن تتخيل أن حجم العملة المتداولة في مصر في السوق السوداء وقتها قدر بحوالي ٤٠ مليار دولار، وهذا رقم كبير للغاية بالنسبة للدول النامية، وكم كان بإمكان الدولة الإستفادة من تجارة متداولة بهذا الحجم؟

وفي كل الأحوال ظهور السوق السوداء يعد مؤشراً واضحاً على الأخطاء الإدارية من قبل صناع القرار، والأخطاء الإقتصادية في معظم الأحيان تؤدي إلى عواقب وخيمة على الدولة وخصوصاً على الفقراء ومحدودي الدخل.

وفي بعض الأحيان تغض الدولة الطرف عن السوق السوداء لعجزها عن سد النقص الذي يطرأ على سلعة أو خدمة ما، تغض الطرف لأن هذه الأسواق يستحيل السيطرة والقضاء عليها بالقوة، وتحتاج لإجراءات وقرارات مدروسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *