مال وأعمال

رواد أعمال ولكن محتالين، أشهر قضايا الإحتيال المالي للشركات الناشئة

دعونا نتصفح كتاب تاريخ ريادة الأعمال لنستخرج أبرز قضايا الاحتيال المالي التي هزت عالم الأعمال، ووصمت أصحابها بالعار للأبد.

أشهر 5 حالات من الاحتيال المالي في عالم ريادة الأعمال وصمت أصحابها بالعار إلى الأبد.

في نهاية ديسمبر الماضي، قام بنك “جي بي مورجان تشاس” بمقاضاة رائدة الأعمال الشابة شارلي شافيز بتهمة التدليس في قيمة شركته الناشئة “فرانك” التي قام البنك بشرائها في وقت سابق بقيمة 175 مليون دولار، وذلك عن طريق الزيادة الوهمية في عدد المستخدمين للمنصة المتخصصة في التكنولوجيا المالية.

قد يبدو الخبر غريبا، فكيف لواحد من أشهر وأكبر البنوك العالمية أن يقع في مثل هذا الفخ، لكن الأخبار الخاصة بريادة الأعمال والشركات الناشئة لا تخلو من مثل هذه الحوادث، التي لا تجعل مجال ريادة الأعمال في حد ذاته مجالا من النصب والاحتيال.

ولكن تؤشر على أهمية مراجعة قواعد العمل وخاصة حوكمة صناديق الاستثمار والمخاطر والشركات الناشئة لمنع مثل تلك الممارسات التي لا تضر فقط بالمنخرطين مباشرة في الاستثمار فيها .. ولكن بسمعة مجال كامل تنتمي إليه الملايين من الشركات.

دعونا إذن نتصفح كتاب تاريخ ريادة الأعمال لنستخرج أبرز قضايا الاحتيال المالي.

ثيرانوس Theranos: من خليفة ستيف جوبز إلى خليفة عرش الاحتيال المالي

تحتوي هذه الصورة على سمة alt فارغة؛ اسم الملف هو %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84-1.png

إليزابيث هولمز هي شابة أمريكية ظهرت في ساحة ريادة الأعمال بصفتها المديرة التنفيذية ومؤسسة شركة ثيرانوس عام 2013، وعمرها 19 عاما فقط؛ إذ تركت الجامعة لكي تؤسس شركتها الخاصة. كانت إليزابيث تظهر دائما في ملابس سوداء كالتي كان يرتديها ستيف جوبز، وهو أمر لم يكن صدفة بل كان مقصودا إذ أصبح البعض يلقبها بالنسخة الطبية من ستيف جوبز وخليفته.

ثيرانوس قدمت وعدا بسيطا ولكنه مبهرا للغاية، جهاز واحد فقط يقوم بعمل التحاليل الخاصة بالدم كافة من عينة لا تتجاوز قطرة دم واحدة من المريض. هذا الوعد رغم بساطته فهو يمثل ثورة حقيقية في عالم التحاليل الطبية.

أمام هذا الوعد البراق حصلت إليزابيث على تمويلات ضخمة بلغت 1.4 مليار دولار، وضمت قائمة داعميها أسماء كبرى مثل هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأشهر في التاريخ، وجيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي السابق، وروبرت ماردوخ إمبراطور الإعلام الشهير، وغيرهم من عشرات الأسماء الكبرى التي إما قامت بالاستثمار مباشرة في الشركة أو شغلت عضوية مجلس إدارتها.

نحن الآن أمام شركة ناشئة ستحدث اضطرابا وثورة ضخمة في عالم الطب تقودها امرأة شابة تمثل الابتكار والطموح، ويدعمها رجال المال والسلطة بمليارات الدولارات، ماذا يمكن أن يحدث خطأ إذا؟

الإجابة ببساطة كانت أن كل ما سبق قد بني على الاحتيال المالي، فالجهاز الذي تقدمه ثيرانوس هو خدعة كبرى من أكثر طرق الاحتيال المالي التواءاً لاستعطاف رجال الأعمال والجمهور.

فلا توجد أي أدلة تدعمه ولا توجد تجارب تؤكد كفاءته، هذا الأمر الذي كشفه الصحفي جون كاريورو، الذي قدم تحقيقاً استقصائياً في وول ستريت جورنال في عام 2015 كشف فيه أن كل ما تدعيه ثيرانوس وإليزابيث هولمز هو أمر لا يمت للواقع بصلة.

إن تسائلت: ما هي أشهر عملية احتيال؟

 فلا شك أن قضية شكة ثيرانوس الناشئة ومديرتها التنفيذية إليزابيث ثيرانوس أحدثت اضطرابا وثورة ضخمة لكن في عالم الجريمة لا الطب، عندما استقطبت هذا الكم الهائل من المال بلا أي نتيجة واقعية. 

ما سبب سجن إليزابيث هولمز؟ 

 يرجع السبب إلى التحقيق المذكور آنفًا، فقد كان هو بداية النهاية، إذ تلاحقت قضايا الاحتيال المالي والدعوات القضائية ضد كل من إليزابيث هولمز ومدير العمليات بالشركة صني بلواني، وتمت تصفية الشركة في 2018، وتم الحكم عليها في نوفمبر 2018 بالسجن لمدة 11 عاما وربع على أن تبدأ فترة السجن في أبريل 2023.

بينما تم الحكم على صني في يوليو 2022 بالسجن لمدة 12 عاما و11 شهر على أن يبدأ فترة السجن في مارس 2023. لتصبح قضية ثيرانوس الشائعة من أبشع جرائم الاحتيال المالي في تاريخ الشركات الناشئة.

موزيدو Mozido: خمسة ونصف مليار دولار من النصب والاحتيال

في 2008 قام مايكل ليبرتي بتأسيس موزيدو لخدمة هؤلاء الذين لا يمتلكون أي حساب بنكي من أجل مساعدتهم لتحويل الأموال وذلك عبر الهواتف المحمولة. في ذلك الوقت فإن الهواتف المحمولة كانت قد بدأت في الانتشار، وانتشر معها فرص لا نهائية من الخدمات والمنتجات المبنية عليها، ومن ضمنها الخدمات المالية خاصة الشمول المالي الذي جعلت التكنولوجيا له حلولا كثيرة.

أما عن جرائم الاحتيال المالي الكاملة فهذه واحدة من أفضلها، وهو ما كان جليا في إقناع مايكل ليبرتي للعديد من المستثمرين لاستثمار مئات الملايين من الدولارات في شركته الناشئة، جعل تقييم شركته الناشئة يصل لحوالي 2.4 مليار دولار.

لكن الأمر بدأ في التكشف في نوفمبر 2016 عندما واجهت الشركة صعوبات في دفع رواتب موظفيها وفشلها في تحقيق المستهدفات المالية المتوقعة التي أعلنتها سابقا، لتبدأ الخيوط في التكشف.

في سلسلة التحقيقات التي تمت، ثبت أن الاحتيال المالي قد بدأ مبكرا، إذ قام ماكيل ليبرتي مع مساعد له في 2010 باستخدام 16 مليونا من دورة استثمار بلغت حينها 18 مليون، في مصروفاته الشخصية، رغم تأكيده للمستثمرين آنذاك أنه قد تم صرفها في مصروفات تخص الشركة.

هذه لم تكن الواقعة الوحيدة، بل إن التحقيقات أثبتت أن مايكل قد استخدم 55 مليون دولار من الاستثمارات التي حصلت عليها شركته في مصروفات تخص زوجته التي كانت تقوم بصناعة فيلم، فضلا عن مصروفات تخص الديكور الداخلي وغيره من المصروفات الشخصية.

واستخدم أحد أذكى طرق الاحتيال المالي من خلال توجيه الأموال لعدد من الشركات الوهمية التي كانت مجرد معبر لوصول التمويل المخصص للشركة لحسابات مايكل الشخصية.

كل ذلك أدى لمحاكمة مايكل ليبرتي بتهم التحايل على المستثمرين وذلك في أبريل 2018.

زينفيتس Zenefits: رواد توظيف التكنولوجيا في الاحتيال المالي

في 2012 كان باركر كونراد يعمل في شركته الناشئة التي أسسها العام السابق مع شريكه، وواجه مشكلة تتعلق بمنح تأمينات صحية لموظفي الشركة، خاصة مع معاناته هو شخصيا مع مرض السرطان وهو في العشرينات من عمره.

ومن هنا ظهرت فكرة زينفيتس Zenefits كشركة ناشئة تعمل في مجال الموارد البشرية من أجل إحداث ثورة في المجال الذي كان – حتى ذلك الوقت – لم يكن قد تعرض بعد لموجات التغيير الآتية من ريادة الأعمال.

الفكرة كانت بسيطة، أتمتتة عمليات الموارد البشرية وخاصة حصول الموظفين على تأمين صحي من شركات التأمين، ويأتي مصدر الدخل الأكبر لزينفيتس من عمولة تأخذها بشكل سنوي من مبيعات خطط التأمين الصحي.

هذه الفكرة كانت كافية لتجعل الشركة الناشئة واحدة من أشهر الشركات الناشئة في وقت قصير، فهي في مجال تقليدي تقدم حل ثوري لمشاكله، مما جعل المجال غير الجذاب بطبيعته لمجال جذاب للغاية للمستثمرين.

الذين استثمروا ما يزيد عن نصف مليار دولار في ثلاث جولات في الشركة الناشئة التي تعتمد على مصادر دخل متكررة recurring سنوية جعل تقييمها يصل ل4.5 مليار دولار، فنجاحها كواحدة من أكثر جرائم الاحتيال المالي مكتملة الأركان كان ساحق.

لم يفق حجم النجاح المتحقق كم قضايا الاحتيال المالي والمشكلات التي تعرضت لها الشركة الناشئة، التي تجاوزت العديد من القوانين الخاصة بالولايات فيما يتعلق بتقديم خطط التأمين الصحي للشركات.

حيث تلزم العديد من الولايات موظفي هذه الشركات بالخضوع لتدريب بعدد ساعات معين وصولا لامتحان يجب اجتيازه في النهاية، ولكن التحقيقات كشفت أن الشركة قامت باستخدام برمجيات – اسمها the Macro –  تسمح للموظفين أن يظهروا على نظام التدريب بينما هم في الحقيقة ليسوا فعالين عليه مما يسمح بتجاوز الحد الأدنى المطلوب لعدد ساعات التدريب دون تدريب حقيقي.

هذه المشكلات القانونية وغيرها أدت إلى قضايا احتيال مالي وجزاءات تم توقيعها على الشركة وصلت لمئات الآلاف من الدولارات، وانتهى الحال بباركر كونراد للتنازل عن موقعه كرئيس تنفيذي للشركة.

أوتكوم Outcome: تضخيم النتائج للحصول على 500 مليون دولار من الاستثمارات

في زياراتنا للأطباء نجلس أوقاتا تطول في أحيانا أكثر من ساعة في انتظار الدخول، هذه المشكلة العالمية وفرت فرصة تجارية مختلفة لكل من ريتشي شاه وشرادها أجروال مؤسسي أوتكوم Outcome التي تقدم خدمات إعلانية عبر شاشات وتابلت موجود في أكثر من 40 ألف عيادة وذلك للمعلنين المختلفين، وذلك لاستغلال وقت انتظار المرضى داخل العيادات.

هذه الفكرة التي تحمل إمكانات نمو كبيرة استطاعت أن تحصل على ما يزيد عن 500 مليون دولار من الاستثمارات من عدد من أكبر المستثمرين في العالم، كان من بينهم بنك جولدمان ساكس (أحد أكبر البنوك عالميا وأشهرها)، فضلا عن الذراع الاستثماري لشركة ألفابيت (جوجل)، وغيرهم.

رغم المستوى العالي من المستثمرين إلا أن ذلك لم يمنع عمليات الاحتيال المالي الاستثمارية التي قامت بها الشركة، حيث أثبتت التحقيقات أن الشركة قد قامت بتضخيم الأرقام والنتائج المالية وذلك قبل عملية الاستثمار، بل إن عمليات التحقق النافي للجهالة التي قام بها بنك جولدمان ساكس قد أثبتت في 10 حالات من الاحتيال المالي المختلفة أن الشركة قد قامت بتضخيم النتائج الخاصة بها، لتصبح أنجح أنواع الاحتيال المالي.

كل ذلك أدى إلى رفع  المستثمرون قضايا الاحتيال المالي على مؤسسي الشركة، واضطرار المؤسسين وعدد من كبار المديرين للتخلي عن مناصبهم، فيما تتعلق بالاحتيال البنكي وغيرها، حيث يواجه المؤسسون أحكاما قد تصل ل30 عاماً.

نيقولا Nikola: تسلا المزيفة في ريادة الأعمال

تصف العديد من التقارير السيارات الكهربائية بمستقبل السيارات، فهي تحافظ على البيئة مع تقديم خدمة متميزة عن السيارات التقليدية، ربما هذا ما دفع تريفور ميلتون لبدء شركته الناشئة نيقولا Nikola التي تقوم على تصنيع سيارات نقل ثقيل تعمل بالهيدروجين، والتي عكس سيارات تسلا لا تستخدم بطاريات يعاد شحنها، وإنما على دمج بين الهيدروجين المخزن في السيارة مع الأكسجين الموجود في الهواء.

هذه التكنولوجيا الجديدة التي تقدم مميزات السيارة الكهربائية مثل هذه في ظل الاهتمام العالمي بالبيئة جعل شركة نيقولا تبرز كواحدة من أهم الشركات الناشئة في مجال السيارات، جامعة لاستثمارات بلغت 2.5 مليار دولار بل أوصل ذلك الشركة لمرحلة النزول في البورصة.

أدى بعد فترة وجيزة لوصول تقييم الشركة لما يزيد عن 8 مليار دولار مع وجود شراكة بمليارات مع جينرال موتور عملاق السيارات الأمريكي. شيء وحيد لطخ هذه الصورة الرائعة، كل ذلك كان من النصب والاحتيال.

بدأ الأمر بتقرير كشف أن ادعاءات الشركة في جلها كاذبة، بل حتى الأفلام الدعائية التي قدمتها كانت مزورة، وبراءات الاختراع التي قدمتها سواء ما يتعلق بإنتاج الطاقة من الهيدروجين والطاقة الشمسية وغيرها كلها مزيفة، لتصبح واحدة من أغرب قضايا الاحتيال المالي.

كل ذلك أدى بطبيعة الحال لقضايا كبرى ضد مؤسس الشركة انتهى فيها المحلفون لقرار بإدانته بعد مداولات استمرت 5 ساعات في اتهامات تتعلق بقضية النصب والاحتيال.

إن جرائم الاحتيال المالي هذه وغيرها لا تؤشر بالضرورة لكون مجال ريادة الأعمال بوجه عام هو مجال مخادع، بل بضرورة العمل على زيادة إجراءات الحوكمة وغيرها داخل هذا القطاع الهام والمؤثر.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *