يبدو أن مستقبل النفط والغاز حول العالم لم يعد واعداً، وهذا لا يحتاج لرؤية ثاقبة لملاحظته، وليس من المستغرب أن تتوقع مراكز تحليل وإستشارات دولية أن شركات النفط الكبرى في غضون ١٥ عاماً قد تضطر لغلق أبوابها.
إذا كنت تتابع أخبار شركات النفط والغاز ستلاحظ أنها تتجه بشكل كبير لمجال الطاقة المتجددة، عبر ضخ مليارات الدولارات في عمل الأبحاث وإنشاء أقسام متخصصة في مجال الطاقة المتجددة التي تمثل مستقبل الطاقة في العالم على المدى القريب.
الشركات لا تقوم بذلك حباً في الطاقة المتجددة أو لإنقاذ المناخ المتدهور، بل لأنها مضطرة لإنقاذ نفسها من هبوط الأرباح والإحتياطيات على مدار العقد الماضي.
يؤكد ذلك تقرير شركة Rystad Energy وفقاً لأبحاث أجراها على أكبر ستة شركات للنفط في العالم (إكسون موبيل الأمريكية، شيفرون الأمريكية، شل الهولندية، BP البريطانية، توتال الفرنسية، إيني الإيطالية).
يشير التقرير إلى أن شركات النفط المذكورة قد قلت إحتياطياتها بنسبة كبيرة بين عامي ٢٠١٥ و ٢٠٢٠ بنسبة تتراوح مابين ١٥٪ إلى ٣٠٪، مما يعني أنها إضطرت لتقليل الإنتاج بنفس النسب على مدار تلك السنوات للموازنة بين حجم الإحتياطي والإنتاج، ما يعني أن أرباح تلك الشركات قلت بالفعل بنفس النسبة.
لقد بدأت بالفعل كرة الثلج تتدحرج، إستخدامات الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية تتزايد بشكل كبير، وليس من الصعب ملاحظة ذلك عند المرور بمولدات الطاقة العملاقة التي تعمل بالرياح على طول الطريق السريع.
يشير تقرير نشرته مجلة فوربس إلى أن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في ميزانيته المقترحة التي أُقرت مؤخراً قد قام بإدخال مبلغ كبير من المال في الموازنة يهدف إلى إيقاف التغير المناخي وبدء التحول للطاقة المتجددة.
على سبيل المثال ميزانية الطاقة ستزيد بنسبة ١٠٪، لكن بزيادة ٨ مليار دولار أي ٢٧٪ سيتم توجيهها لدعم الجيل الجديد من السيارات الكهربائية والطاقة النووية وبدائل أخرى للطاقة التي تتولد عبر إحتراق الوقود الأحفوري.
تكلفة مولدات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح قد إنخفضت كثيراً على مدار العقد الماضي، وأسعار بطاريات تخزين الكهرباء قد وصلت تكلفتها إلى النصف خلال العامين الماضيين.
قضية إستخدام الطاقة المتجددة لتقليل إنبعاثات الغازات في الهواء لقيت إهتماماً كبيرة مؤخراً، وذلك بهدف تفادي أزمة الإحتباس الحراري بأكبر قدر ممكن.
ليس من الصعب ملاحظة أن إستخدامات الطاقة المتجددة بدأت تتزايد بشكل كبير، وعلى العكس الطاقة الغير متجددة بدأت تتناقص، توليد الوقود من خلال الفحم قد أُجبر بالفعل على التوقف شبه الكامل.
وكذلك الطاقة التي تتولد من النفط والغاز مهددة بنفس الشئ، وهو ما نراه في تناقص أرباح شركات النفط والغاز، بجانب تسريح العمالة بشكل متزايد.
– إنحدار صناعة النفط والغاز هل سيكون سريعاً أم بطيئاً؟
النفط الخام هو أهم سلعة يتم تداولها حول العالم حتى هذه اللحظة، وليس من المستغرب أن يعرف بالذهب الأسود لقيمته وحاجة البشرية إليه.
مع ذلك.. تشير إحصائيات في نفس التقرير إلى أن وسائل المواصلات بجميع أنواعها تتجه إلى الطاقة النظيفة بشكل سريع، تقود هذه الثورة دولة النرويج بمبيعات سيارات كهربائية متوقعة بنسبة ٥٠٪ بحلول عام ٢٠٤٠.
الولايات المتحدة وأستراليا أيضاً ستكون في مستوى قريب من ذلك، حيث ستكون ثلث السيارات التي تسير على الطريق كهربائية بحلول عام ٢٠٤٠.
هذا يعني أن الطلب على النفط والغاز سيقل بمقدار النصف مقارنة بنسبة الطلب الحالي حتى عام ٢٠٤٠، بالتالي يقل الإنتاج وتقل الأرباح والوظائف إلى آخره، وهو ما بدأ بالفعل كما أشرنا في عدة مواضع من هذه المقالة.
هذا خلال أقل من عشرين عام (عقدين من الزمان) وهي فترة ليست بالكبيرة، فهناك شركات عملاقة إختفت في غضون ١٠ سنوات فقط لعدم مواكبتها للتكنولوجيا والمتغيرات التي ظهرت في نفس مجالها.
وهذا بالضبط ما سيحدث لشركات النفط والغاز إذا لم تأخذ التوقعات والمؤشرات بشكل جدي، بالفعل اليوم إنتهت شركات النفط الصخري الأمريكية التي أحدث ثورة في عالم الوقود الأحفوري في يوم من الأيام.
ولسوء الحظ هذا لن يحدث فقط لشركات النفط بل سيحدث للدول التي تعتمد إعتماداً كلياً في الدخل القومي على النفط والغاز، أو حتى الدول التي يمثل النفط والغاز مصدر دخل هام بالنسبة لها.
واليوم من بين الدول العربية نجد المملكة العربية السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم تستجيب بالفعل لتلك المتغيرات عبر تعزيز الإقتصاد “الغير نفطي” وتنويع مصادر الدخل، إستعداداً لقلة إعتماد العالم على البترول في المستقبل القريب.
في الدول الأوروبية نجد النرويج خامس أكبر مصدر للنفط في العالم قد إتجهت منذ فترة كبيرة للإستثمار في مجالات أخرى غير نفطية، بعد أن كانت تعتمد إقتصادياً بشكل كلي على النفط.
مشكلة النفط والغاز لن تكون قلة الإحتياطيات أو نقص الإنتاج، مع أنها مصادر غير متجددة للطاقة وستنتهي حتماً في وقت من الأوقات، في مدة يتوقع البعض أن لا تزيد عن ٤٠ عاماً من اليوم.
لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن العالم لن يكون بحاجة ماسة للنفط والغاز في غضون ٢٠ عاماً من اليوم، أي نصف المدة المتوقعة لنضوب آبار النفط والغاز حول العالم.
لأنه ببساطة سيم إستبداله بمصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية، طاقة الرياح، الطاقة النووية، ليس لأنها مصادر نظيفة للطاقة فحسب بل لأنها أقل تكلفة.
وأخيراً.. من الجدير بالذكر أن شركة الإستشارات الشهيرة Wood Mackenzie تتوقع أن ينخفض الطلب على البترول بنسبة ٧٠٪ بحلول عام ٢٠٥٠ أي أقل من ثلاثون عاماً من اليوم، ولها أدلتها المنطقية إعتماداً على مؤشرات حالية يمكن الإطلاع عليها بالتفصيل في هذا التقرير.
الذي يرى أن الغاز يمكن أن يكون له مستقبل ليس بالطويل الأمد، خلال الخمسة عشر عاماً المقبلة، فهناك عدة حقول مكتشفة، ولا تزال الدول التي باسم مناخها بالبرودة بحاجة إلى الغاز لأغراض التدفئة.
ومن حيث النفط فهي نفس التوقعات التي سبق ذكرها، بجانب إنخفاض أسعار برميل النفط بشكل كبير، أي مما يقرب من ٤٠ دولاراً اليوم لبرميل خام برنت، إلى ١٠ دولارات للبرميل الواحد بحلول عام ٢٠٥٠.
اكتشاف المزيد من تجارة واقتصاد
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.