اقتصادمال وأعمال

ملايين الإستقالات الوظيفية في الولايات المتحدة، فمن سينتصر العمال أم أصحاب العمل؟

تعرف على حملة الإستقالات التي إنضم إليها ملايين العمال الأمريكيين، أبعادها، وكيف بدأت، وهل سيستطيعون الصمود وتحقيق مطالبهم أم يضطروا للعودة إلى العمل في ظل إرتفاع معدلات التضخم؟

إقرأ في هذا المقال
  • كيف بدأت حملة الإستقالات في الولايات المتحدة
  • أزمة نقص العمالة قبل الإستقالات
  • خسائر إقتصادية
  • مكاسب العمال

في إحدى الليالي في ولاية مينيسوتا الأمريكية، دخل “باريت” مطعماً لتناول العشاء، ففوجئ بلافتة معلقة داخل المطعم من قبل الإدارة كُتبت فيها عبارة تقول “لدينا نقص في العمالة، فنرجو أن تكونوا لطفاء مع موظفينا”، إعتذار مسبق من قبل الإدارة في حال حدوث تأخير أو تقصير.

يقول الإقتصاديون في الولايات المتحدة تعليقاً على الموقف الذي رواه “باريت” لصحيفة نيويورك تايمز، أنهم لم يشهدوا موقفاً كهذا طوال حياتهم، وأن هذه سابقة في مجال العمل ستتطور لتحدث تغييراً هائلاً في سوق العمل في بلد يعد الأكبر والأهم إقتصادياً في العالم.

“باريت” بالمناسبة هو أحد الموظفين الداعمين والمتضامنين مع حملة الإستقالات الكبيرة، حيث قام بتقديم إستقالته من الشركة التي كان يعمل فيها بمجرد سماعه بالحملة.

كيف بدأت حملة الإستقالات في الولايات المتحدة

تشهد الولايات المتحدة إستقالات وظيفية غير مسبوقة، وحملة تحث الموظفين على تقديم الإستقالة بغض النظر عن مناصبهم، وقد أُطلق على تلك الحملة إسم “The Great Resignation” الإستقالات العظيمة.

هذا المصطلح ظهر في الأصل بواسطة إقتصاديين أمريكيين لاحظوا عدد إستقالات غير مسبوق منذ شهر إبريل الماضي إعتماداً على الإحصائيات الدورية التي ينشرها مكتب العمل الأمريكي، فقالوا هذه الإستقالات عظيمة “Great Resignation”.

بعض هؤلاء الإقتصاديين والمحللين ومنهم أساتذة جامعات قاموا بنشر مقالات في أشهر الصحف الأمريكية حول ظاهرة الإستقالات العظيمة، وبعضهم حث على الإستقالة في حالة تضرر الموظف من عمله.

وتم في هذه الأثناء تدشين هاشتاغ GreatResignation# عبر “تويتر” لينتشر كالنار في الهشيم، ويحقق تضامناً من قبل الملايين، حتى وصل عدد الإستقالات وفقاً لمكتب العمل الأمريكي إلى أكثر من ٤ مليون إستقالة منذ بداية الحملة، ومعظم المستقيلين ينشرون إثبات إستقالتهم تشجيعاً للآخرين.

وقد تنوعت مطالب الموظفين مابين زيادة في الرواتب، أو ترقيات وظيفية، أو حرية إختيار “العمل عن بعد” دون قيود يفرضها أصحاب العمل، ومطالب أخرى هي في النهاية في نطاق المطالب الطبيعية والعادلة.

أزمة نقص العمالة قبل الإستقالات

قبل ظهور حملة الإستقالات العظيمة كانت ولا تزال الولايات المتحدة وكثير من الدول الأوروبية تعاني من نقص كبير في العمالة، ففي بريطانيا مثلاً تسببت أزمة نقص العمالة في حدوث أزمة الطاقة الأخيرة.

وقد نشر موقع بلومبرغ مقالاً في أكتوبر الماضي بعنوان “ليس هناك من يوصل البيتزا” يسلط الضوء على أزمة نقص العمالة في الولايات المتحدة، والذي عانت منه أكبر سلسلة مطاعم بيتزا في الولايات المتحدة “دومينوز” مما أدى لتقلص أرباحها بشكل كبير.

يذكر أن هناك أكثر من ١٠ ملايين وظيفة شاغرة في الولايات المتحدة بحسب مكتب العمل الأمريكي وتحتاج لموظفين، وليس هناك من يسد تلك الفجوات الوظيفية، وفقاً لنفس التقرير.

عواقب إقتصادية وخيمة

حملة الإستقالات الكبيرة بحسب كبار المحللين ستكون لها عواقب في الوقت الحالي وفي المستقبل القريب، عواقب على جميع الأطراف، الموظفين المستقيلين، وأصحاب العمل، وعلى الدولة بأكملها.

العواقب التي سيعاني منها الموظفون هي عدم القدرة على تلبية متطلبات الحياة ليس فقط بسبب إنقطاع الرواتب، بل بسبب التضخم الذي زاد بنسبة كبيرة تصل إلى ٣٠٪؜ في بعض السلع كنتيجة لعدة أزمات آخرها متحور دلتا، وأزمة إضطراب سلاسل الإمداد.

أما العواقب التي سيعاني منها الإقتصاد الأمريكي الذي يحاول التعافي من متحور دلتا، هي أن وتيرة التعافي من جائحة كورونا ومتحور دلتا ستكون بطيئة، وستزداد بطئاً مع حملة الإستقالات الكبيرة بحسب موقع سي إن إن.

أما العواقب التي سيعاني منها أصحاب العمل فهي بحسب تصريح ٥١٪؜ من الشركات الصغيرة وفقاً “للهيئة الفيدرالية للشركات الخاصة” أنهم لا يستطيعون العثور على موظفين يشغلون الوظائف الشاغرة لديهم، وهذا سيؤدي حتماً لخلل في الإنتاج بالتالي تقلص في الأرباح كما في مثال دومينوز بيتزا المذكور سابقاً.

ويذكر أيضاً أن الإستقالات لم تعد تقتصر على الموظفين الساخطين، بل حتى الموظفين الذين يمتلكون وظائف وليس لديهم مشكلات تذكر يقومون بترك وظائفهم لمجرد الإنتقال لوظيفة أفضل لتحقيق التطور الوظيفي الذي يطمحون إليه.

وهو ما يوضح أن عقلية العامل بشكل عام تغيرت عما كانت عليه سابقاً، حينما كان العامل يمكث في وظيفته لأطول وقت ممكن دون شكاوى أو طموحات وظيفية كبيرة، على عكس جيل الألفية والأجيال التي تلته.

ويرى المحللون الإقتصاديون أن ما يحدث في سوق العمل الأمريكي من تغييرات غير مسبوقة هي عبارة عن كون هذا القطاع يعيد هيكلة نفسه بنفسه، أو يتخذ مسارات تصحيحية طبيعية، خصوصاً وأن ظاهرة الإستقالات بدأت دون حملات منظمة أو إتفاق مسبق بين الموظفين.

وسيعود معظم المستقيلين للعمل لكن ليس قبل نهاية النصف الأول من العام القادم ٢٠٢٢، ولن يكون أمامهم أي خيار آخر لأن التضخم آخذ في الإزدياد، ومن الصعب على أي شخص مواكبة التضخم بينما هو في منزله وسط عائلته.

فمعظم العمال الذين إستقالوا كانت لديهم القدرة على الصمود بسبب المدخرات الناتجة عن قلة الإنفاق والتي إستطاعوا توفيرها أثناء إغلاق جائحة كورونا، لكن إلى أي مدى ستوصلهم مدخراتهم؟؟..

مكاسب العمال

وفقاً للخبراء والمحللين الأمريكيين، أدت حملة “الإستقالات العظيمة” بالفعل إلى رفع كثير من الشركات والمؤسسات للأجور، وتخصيص علاوات كبيرة، ومميزات مثل التأمين الصحي لبعض أفراد العائلة.

على الجانب النفسي جعلت تلك الحملة الموظفين يشعرون أنهم أكثر قيمة منذ أصبح من الصعب العثور عليهم الآن، ومنذ رأوا بأعينهم النتائج والتأثيرات داخل الشارع الأمريكي بأكمله.

وجعلتهم يشعرون أن لديهم الكثير من الوقت لقضائه مع أفراد العائلة أو ممارسة الرياضة أو الطبخ أو القراءة أو غيرها من الهوايات والأنشطة التي تساعد في تغيير الحالة النفسية بشكل إيجابي.

على أي حال، وبغض النظر عن من سينتصر العمال أم أصحاب العمل، إذا لم تتم معالجة أزمة نقص العمالة في أسرع وقت ممكن فلن يستطيع إقتصاد الولايات المتحدة التعافي من جائحة كورونا ومتحور دلتا على الأقل لعامين قادمين بحسب الخبراء.

مع ذلك، من المؤكد أن تلك الحملة ستغير حظوظ العمال بشكل غير مسبوق، وسيكونون الطرف الأكثر تحقيقاً للمكاسب وفقاً لتوقعات الخبراء، وستجعل تلك الحملات مستقبل العمل أفضل بكثير في الولايات المتحدة.


اكتشاف المزيد من تجارة واقتصاد

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى