إن الغزو المحتمل لأوكرانيا من قبل روسيا المجاورة سيكون له تأثير كبير عبر عدد من الأسواق، من أسعار القمح والطاقة والسندات الدولارية السيادية للمنطقة، إلى أصول الملاذ الآمن كالذهب، وأخيراً أسواق الأسهم.
لا ننسى أن أوروبا تعتمد على الغاز الروسي بنسبة 35٪ والنفط الروسي بنسبة 30٪، كذلك تصدر روسيا وأوكرانيا أكثر من 75٪ من إحتياجات العالم من القمح.
وفيما يلي خمسة قطاعات سوف يظهر فيها أثر تصعيد التوترات ويمكن الشعور بها عبر الأسواق العالمية:
1- الملاذات الآمنة
في مثل تلك الأحداث عالية المخاطر عادة ما يهرع المستثمرين عائدين إلى السندات، والتي ينظر إليها عموماً على أنها أصول أكثر أماناً.
وقد لا تكون هذه المرة مختلفة، فالتضخم في أعلى مستوياته منذ عقود، وارتفاع سعر الفائدة الوشيك، كلها مهدت الطريق لبداية عام جيدة لأسواق السندات، مع استمرار أسعار السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات بالقرب من المستوى الرئيسي 2٪، والسندات الألمانية لأجل 10 سنوات ارتفعت من أصل 0٪ لأول مرة منذ عام 2019.
إلا أن كل ذلك قد يتغير مع الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا والذي قد يرفع أسعار النفط بالتالي حدوث زيادة أكبر في نسب التضخم حول العالم.
في أسواق العملات الأجنبية (الفوركس)، ينظر إلى سعر صرف اليورو مقابل الفرنك السويسري على أنه أكبر مؤشر للمخاطر الجيوسياسية في منطقة اليورو، حيث أن العملة السويسرية ينظر إليها منذ فترة طويلة من قبل المستثمرين كملاذ آمن، ومع ذلك وصلت إلى أقوى مستوياتها منذ مايو 2015 في أواخر يناير.
الذهب، الذي ينظر إليه أيضاً على أنه ملجأ في أوقات الحروب أو الصراعات الاقتصادية، وصل إلى أعلى مستوياته منذ ثلاثة عشر شهراً.
2- الحبوب والقمح
أي انقطاع لتدفق الحبوب من دول منطقة البحر الأسود من المرجح أن يكون له تأثير كبير على أسعار الغذاء العالمية، وأيضاً ارتفاع معدل التضخم في أسعار الغذاء يحدث في وقت فيه القدرة على تحمل التكاليف مصدر قلق كبير في جميع أنحاء العالم بعد الأضرار الاقتصادية الناجمة عن وباء كوفيد 19.
هناك أربعة مصدرين رئيسيين للحبوب حول العالم – أوكرانيا وروسيا وكازاخستان ورومانيا – يقومون بتصدير الحبوب عبر موانئ البحر الأسود، وهو ما قد يواجه اضطرابات من أي عمل عسكري أو عقوبات.
من المتوقع أن تكون أوكرانيا ثالث أكبر مصدر في العالم للذرة في موسم 2021/22 ورابع أكبر مصدر للقمح في العالم، وفقاً لبيانات مجلس الحبوب الدولية. وروسيا هي بالفعل أكبر مصدر للقمح في العالم حالياً.
3- النفط والغاز
من المرجح أن تضرب أسواق الطاقة والنفط في مقتل إذا تحولت التوترات بين روسيا وأوكرانيا إلى حرب. حيث تعتمد أوروبا على روسيا لحوالي 35٪ من غازها الطبيعي، معظمها تأتي من خلال خطوط الأنابيب التي تعبر بيلاروسيا وبولندا إلى ألمانيا، بجانب خط نورد ستريم 1 الذي يذهب مباشرة إلى ألمانيا، وغيرها من خلال أوكرانيا.
في عام 2020، قلت كميات إمدادات الغاز من روسيا إلى أوروبا بسبب الإغلاق العام المصاحب لفيروس كورونا، وبسبب الطلب المتزايد بعد التعافي التدريجي زادت أسعار الغاز الطبيعي لأعلى مستوياتها.
كجزء من العقوبات المحتملة في حالة غزو روسيا لأوكرانيا، قالت ألمانيا إنها قد توقف خط أنابيب غاز نورد ستريم 2 الجديد من روسيا. والذي من المتوقع أن يؤدي إلى زيادة واردات الغاز إلى أوروبا، والذي يبين أيضاً مدى اعتماد أوروبا على مصادر الطاقة الروسية.
يتوقع المحللون أن يتم خفض صادرات الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا الغربية بشكل كبير من خلال كل من أوكرانيا وبيلاروسيا في حالة فرض عقوبات، قائلة إن أسعار الغاز يمكن أن تصل مرة أخرى إلى مستويات الربع الأخير من العام المنصرم.
يمكن أن تتأثر أسواق النفط أيضاً من خلال القيود أو الاضطرابات الجارية. فالنفط الروسي يمر عبر أوكرانيا إلى سلوفاكيا والمجر وجمهورية التشيك.
ووفقاً لـS&P جلوبال، قلت نسبة النفط الخام الروسي الذي يتم تصديره عبر أوكرانيا إلى 11.9 مليون طن متري في عام 2021، بانخفاض 12.3 مليون طن متري مقارنة بالعام 2020.
قال محللو بنك جيه بي مورجان إن من مخاطر التوترات الحالية أنها ستؤدي إلى قفزة كبيرة في أسعار النفط، وأشار إلى أن الارتفاع قد يصل إلى 150 دولارا للبرميل مما سيقلل من نمو الناتج المحلي العالمي إلى 0.9٪ سنويا فقط في النصف الأول من العام، بجانب أنها ستضاعف التضخم الموجود حالياً عند نسبة 7.2%.
4- تأثيرات سلبية على الشركات
قد تشعر الشركات الغربية الكبرى بشكل كبير بعواقب الغزو الروسي، على الرغم من أن شركات الطاقة قد تعزز الأرباح إلى حد ما عن طريق قفزة أسعار النفط المحتملة.
تمتلك شركة الطاقة البريطانية BP حصة 19.75٪ في شركة النفط الروسية روزنفت، مما يشكل ثلث إنتاجها، ولديها أيضاً عدداً من المشاريع المشتركة مع أكبر منتج للنفط في روسيا.
شركة شل تمتلك حصة قدرها 27.5٪ في أول مصنع للغاز الطبيعي المسال في روسيا، ساخالين 2، وهو ما يمثل ثلث إجمالي صادرات الغاز الطبيعي المسال في البلاد، وكذلك عددا من المشاريع المشتركة مع شركة GAZPROM الحكومية العملاقة للطاقة.
شركة إيكسون موبيل الأمريكية للطاقة تعمل من خلال شركة فرعية لها في روسيا، عبر مشروع النفط والغاز Sakhalin-1، الذي تمتلك فيه شركة النفط والاستكشاف الهندية حصة أيضاً. وهناك شركات طاقة نرويجية أيضاً تنشط في روسيا.
في القطاع المالي، تتركز معطم المخاطر على البنوك الأوروبية. حيث حصل بنك رايففيسن النمساوي الدولي 39٪ من صافي أرباحه العام الماضي من الشركة الفرعية الروسية، وبنك أو تي بي المجري، وبنك يونيكريديت حوالي 7٪ منهم، في حين أن بنك سوسيتيه جنرال حصل على 6٪ من أرباحه من المجموعة.
لدى الشركة المالية الهولندية أيضا بصمة في روسيا على الرغم من أنها تمثل أقل من 1٪ من صافي الربح، وفقاً لحسابات جيه بي مورجان.
بالنظر إلى القروض الروسية، تمثل البنوك الفرنسية والنمساوية أكبر المقرضين الغربيين بمبلغ 24.2 مليار دولار و 17.2 مليار دولار على التوالي.
يتبعهم المقرضون الأمريكيون بـ16 مليار دولار، ثم اليابانيون بمبلغ 9.6 مليار دولار، والبنوك الألمانية بمبلغ 8.8 مليار دولار، بحسب بيانات يوضحها بنك التسويات الدولية (BIS).
كما أن القطاعات الأخرى لديها حضور في روسيا أيضاً: فشركة السيارات رينو تولد 8٪ من المبيعات في روسيا. تنتج متاجر مترو الألمانية أقل من 10٪ فقط من مبيعاتها و 17٪ من أرباحها الأساسية في روسيا.
5- سندات الدولار الإقليمية والعملات
الأصول الروسية والأوكرانية ستكون في طليعة الأسواق التي ستشهد تداعيات العمل العسكري المحتمل. فكلا الدولتين بالفعل شهدتا انخفاضًا في آداء السندات الدولارية مقارنة بنظيراتها في الأشهر الأخيرة حيث قلص المستثمرون الإقبال عليها وسط التوترات المتصاعدة بين واشنطن وحلفائها وموسكو.
إن مصادر الدخل الثابتة في أوكرانيا هي أساساً ما يقلل من تحول المستثمرين إلى الأسواق الناشئة، في حين تقلصت مكانة روسيا الكلية في أسواق رأس المال في السنوات الأخيرة وسط عقوبات وتوترات جيوسياسية.
ومع ذلك، فإن العملات الأوكرانية والروسية عانت أيضاً، فكانت الأسوأ من بين عملات الأسواق الناشئة حتى الآن، والروبل الروسي في المركز الخامس.
يقول كريس تيرنر، رئيس قسم الأسواق العالمية في مؤسسة ING: “يعرض الوضع الأوكراني الروسي حالة كبيرة من “عدم اليقين” لأسواق العملات الأجنبية. وقال تيرنر “أحداث أواخر عام 2014 تذكرنا بفجوات السيولة والدولار الأمريكي الذي أدى إلى انخفاض كبير في الروبل في ذلك الوقت”.
المصدر: رويترز
اكتشاف المزيد من تجارة واقتصاد
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.