تعاني الصين في الوقت الحالي من ضربات اقتصادية موجعة، بدءاً من الصدع الحاصل في مجال العقارات الصيني، مروراً بأزمة طاقة، وموجة تضخم أدت لزيادة أسعار السلع بشكل كبير، إنتهاءاً بأزمة متحور دلتا التي أثرت على الكثير من دول العالم وليس الصين فقط.
وسيظهر التأثير التراكمي لتلك الضربات في تقرير الربع الثالث للناتج الإجمالي المحلي المرتقب اليوم الإثنين، ومن المتوقع أن تشهد الصين تباطؤاً في النمو من ٧.٦٪ إلى ٥٪ في الثلاثة أشهر الأخيرة بحسب تقرير نشرته وكالة بلومبرج.
ومن المتوقع أن يكشف التقرير أيضاً عن بيانات صناعية واستثمارية توضح شدة أزمة نقص الكهرباء التي جعلت بعض المصانع تغلق أبوابها، وجعلت الحكومة الصينية تفرض قيوداً صارمة على استخدام الكهرباء لدرجة تصل أحياناً إلى إيقاف بعض مصاعد المباني السكنية.
تباطؤ الاقتصاد الصيني سوف يمتد تأثيره ليطال قارة آسيا والعالم أجمع، وسيمتد التأثير بشكل أكبر على سوق السلع الأساسية كالحديد والصلب المستخدم في البناء.
وذلك بسبب تشديد الحكومة الصينية قبضتها على القطاع العقاري الصيني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتفادي الوصول إلى أزمة مالية، فأسعار العقارات في الصين تنهار بالفعل.
وقد تراجعت مبيعات أكبر ١٠٠ مطور عقاري في الصين بأكثر من ٣٦٪ على أساس سنوي، أخذاً في الإعتبار أن هذا الوقت حالياً هو موسم بيع العقارات في الصين.
ويأتي ذلك على إثر الأزمة المالية التي تعرضت لها شركة Evergrande ثاني أكبر مطور عقاري في الصين، وهو ما أدى لهزة كبير في الاقتصاد الصيني الذي يعتمد بنسبة ٣٠٪ على قطاع العقارات.
الأزمة الثانية هي النقص الكبير في الطاقة الشهر الماضي، والتي أدت إلى تخفيض إنتاج بعض المصانع بواقع النصف وتوقف البعض الآخر تماماً، مما أدى لإنخفاض مؤشر مديري المشتريات بشكل كافٍ أدى لإنكماش قطاع الصناعة لأدنى مستوياته منذ بدء جائحة كورونا.
وقد حثت الشركات المحلية والأجنبية الحكومة الصينية على تقليل القيود التي فرضتها على إستهلاك الكهرباء، لعودة الإنتاج إلى مستوياته الطبيعية، وهذه هي أحدث أزمة تدل على تباطؤ نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
على الرغم من ذلك صرح رئيس الوزراء الصيني “لي كيانج” أن الحكومة سترفع أسعار الكهرباء بنسبة ٢٠٪ وهو ما يعني زيادة قدرها ١٠٪ عن سقف الـ١٠٪ الحالية، وصرح أن المصانع والشركات الأكثر إستهلاكاً للطاقة لن تقع تحت سقف سعري محدد، وسيتم تحديد أسعار إستهلاكها وفقاً للعرض والطلب.
الأزمة الثالثة تمثلت في إضطرار الحكومة الصينية للتعامل مع أوسع إنتشار لمتحور دلتا منذ بدء جائحة كورونا Covid-19 في ٢٠١٩، متحور دلتا الذي بدأ الإنتشار بشكل سريع في شهر يوليو الماضي، وإستطاعت الحكومة السيطرة عليه بنهاية شهر سبتمبر الماضي.
وقد أدت إستراتيجية عدم التسامح مع مخالفة قوانين الإغلاق إلى التأثير على القوة الإستهلاكية للمواطن الصيني، بالتالي تأثر مجال بيع التجزئة الصيني، إلا أن الحكومة خففت من تلك القيود تدريجياً مما قد يساعد قطاع التجزئة على التعافي مرة أخرى.
ومن المحتمل أن تستمر الصين بوتيرة نمو متواضعة لباقي العام، وهو مايعني أن الحكومة ليست في عجلة من أمرها لضخ أموال تحفيزية للإقتصاد.
وبالفعل إمتنع البنك المركزي الصيني عن ضخ سيولة في الاقتصاد الصيني يوم الجمعة، وإكتفى فقط بمطالبة المقرضين للإستمرار في تمويل القطاع العقاري للحفاظ على نظامه وإستقراره.
وقد بدا رئيس الوزراء الصيني “لي كيانج” واثقاً في خطابه الخميس الماضي قائلاً “لقد إرتقت الصين إلى مستوى التحديات، بما في ذلك التحديات البيئية من فيضانات جارفة، وتحديات السياسية الدولية المعقدة”.
وقال أيضاً “كان النمو متواضعاً في الربع الثالث، لكن طوال العام لدينا القدرة والثقة على تحقيق أهدافنا الاقتصادية الشاملة، ولدينا الأدوات الكافية في جعبتنا للتغلب على مشاكل الطاقة والكهرباء فترة الشتاء والربيع القادم أيضاً، وسنتأكد من أن جميع الأعمال والمؤسسات لديها ما يكفيها من الكهرباء والطاقة للقيام بعملها”.
اكتشاف المزيد من تجارة واقتصاد
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.