اقتصاد

هجرة المسلمين من فرنسا علامة على انهيار اقتصادي قريب سيضرب الجمهورية، إنها “مسألة وقت”

تزايد حملات معاداة المهاجرين والمسلمين في فرنسا بواسطة المرشحين اليمينيين المتطرفين، سيؤثر سلباً الاقتصاد الفرنسي الذي يعاني من الأساس من تزايد هجرة هؤلاء.

إقرأ في هذا المقال
  • المهاجرين والفرنسيين ذوي الأصول المسلمة على أرض الواقع
  • ألمانيا تضرب المثل في ملف الهجرة واللجوء
  • حاجة الغرب لمزيد من المهاجرين
  • الاقتصاد الفرنسي لا يحتمل فوز اليمينيين

يزداد خطاب العنصرية والتحريض ضد العرب والمسلمين في فرنسا، ويبدو ذلك جلياً في خطابات مرشحي اليمين المتطرف والوسط، فالمواطن الفرنسي المسلم أو المهاجر ذو الأصول العربية أو الأفريقية هم حديث الساعة في الإعلام الفرنسي، وكأنهم الأزمة الكبرى لفرنسا والتي سيقوم (مرشحي الرئاسة) حال فوزهم بتخليص فرنسا منها.

هؤلاء المرشحون يدركون جيداً أن المهاجرين منذ مجيئهم ساهموا ولا زالوا يساهمون في الاقتصاد الفرنسي، وأن أجداد من يرغبون “بطرد” المهاجرين هم من أتى بهم في وقت الاستعمار الفرنسي للجزائر وبعض الدول الأفريقية، لحاجتها إلى مزيد من العمال والمحاربين في صفوف الجيش الفرنسي. ولم يكن مجيئهم مجرد هجرات فردية تقليدية بحثاً عن حياة أفضل.

المهاجرين والفرنسيين ذوي الأصول المسلمة على أرض الواقع

أكتب هذا المقال من فرنسا، بالتحديد من “مدينة النور” باريس، أكبر مدن فرنسا من حيث التعدد العرقي، حيث لا تسير في شارع أو تذهب إلى مقاطعة أو ضاحية إلا وترى شخصاً عربياً أو أفريقياً أو امرأة محجبة (دون مبالغة).

لا تدخل متجراً إلا وتجد معظم العاملين من العرب والأفارقة، لا تجد سائق حافلة أو عامل إصلاح طرق أو خدمات عامة إلا من العرب والأفارقة، لا تذهب إلى مستشفى في باريس وضواحيها إلا وتجد معظم الأطباء وطواقم التمريض من ذوي الأصول الجزائرية والمغربية. (إذا كنت لا تصدق تعال إلى فرنسا وسأجعلك ترى ذلك بنفسك).

الفرنسيين من ذوي الأصول العربية والأفريقية منخرطون الآن في المجالات التي لم يكن لهم فرص كبيرة للوصول إليها قديماً، على الرغم من أننا كنا دائماً نسمع أن المسلمين غير منخرطين في المجتمعات الغربية وغير مؤثرين، إلا أن ذلك لا أساس له من الصحة.

في فرنسا على أرض الواقع الأمر مختلف، وكل ما يثار حول هذه القضية هو رغبة الساسة والنخب الفرنسية في ذوبان المسلمين في المجتمع الفرنسي، عبر التخلي عن أي من مظاهر التدين كالحجاب والصلاة والصيام وغيرها، وتبني أسلوب الحياة الفرنسي العلماني المضاد للأديان.

الانتشار والانخراط في المجتمع مع الحفاظ على بعض مظاهر الدين هو بالضبط أحد أسباب الخطاب التحريضي من قبل النخبة الفرنسية، التي ورثت عن الأجداد أن تلك الأعراق لا تعمل إلا في الوظائف المتدنية وليس في الطب والصيدلة والمحاماة وما يشبهها من الوظائف العليا. وأنهم يحاولون دائماً نشر القيم المحافظة التي تنافي قيم الجمهورية العلمانية.

حالياً، حينما تذهب إلى فرنسا للإقامة سيتوجب عليك إنهاء دورات تدريبية إلزامية (كما فعلت شخصياً) ينظمها مكتب الهجرة والاندماج، تتعلم فيها بعض التاريخ الفرنسي، العادات الفرنسية، الطقس، الجغرافيا، المطبخ الفرنسي، مكانة فرنسا السياسية والاقتصادية، بعض القوانين العامة والمتعلقة بالعلاقات الأسرية وغيرها.

في كل جانب من جوانب المحاضرات توجد مقارنة بين القوانين الفرنسية ومقارنتها بالقوانين الإسلامية، مع التأكيد أن فرنسا ضد القيم الدينية والعادات والتقاليد المحافظة، وخصوصاً الإسلامية، وأن المسلم عليه التخلي عن عاداته وتقاليده والعيش وفقاً للعادات والتقاليد الفرنسية.

كما تتم الإشارة إلى أن فرنسا كانت وستظل أكبر دولة تحارب الإرهاب الإسلامي حول العالم، وإذا كان ذلك لا يعجب أي شخص فليترك فرنسا ويذهب لمكان آخر (هذه الجملة قالها لنا أحد المحاضرين بشكل صريح).

في عام 2020، ارتفعت الأعمال المناهضة للمسلمين في فرنسا بنسبة 52٪ مقارنة بالعام السابق، وفقًا للشكاوى الرسمية التي جمعتها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان التابعة للحكومة. ارتفعت الحوادث في العقد الماضي، وارتفعت بشكل حاد منذ عام 2015.

ووجد تحقيق رسمي نادر في عام 2017 أن الشباب الذين يُنظر إليهم على أنهم عرب أو سود كانوا أكثر عرضة 20 مرة لفحص هوياتهم من قبل الشرطة.

في مكان العمل، كان لدى المرشحين للوظائف الذين يحملون اسمًا عربيًا فرصة أقل بنسبة 32٪ في أن يتم استدعاؤهم لإجراء مقابلة، وفقًا لتقرير حكومي صدر في نوفمبر / تشرين الثاني.

على الرغم من شهاداتها في القانون الأوروبي وإدارة المشاريع، قالت ميريام غروبو، 31 عامًا، إنها لم تتمكن أبدًا من العثور على وظيفة في فرنسا. بعد ست سنوات في الخارج – أولاً في جنيف في منظمة الصحة العالمية ثم في السنغال في معهد باستير في داكار – عادت إلى باريس مع والديها.

ألمانيا تضرب المثل في ملف اللجوء والهجرة

ألمانيا تعد أقل الدول الأوروبية عنصرية ضد الأعراق المختلفة وخصوصاً العرب والمسلمين، فهي من الدول التي تقدر وتجتذب المواهب، بل وتقوم بإعداد وتدريب اللاجئين والأشخاص الذين لا يمتلكون أي خبرات عملية ليصبحوا مؤثرين في المجتمع.

تمتلك ألمانيا التجربة الأوروبية الأحدث التي يمكن الإشارة إليها في مسألة اللجوء والهجرة، تجربة أثبتت نجاحها للعالم عبر سياسة المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنغيلا ميركل تجاه اللاجئين والمهاجرين عموماً، والتي أدت لإنقاذ الاقتصاد الألماني من عدة أزمات متوالية.

قالت ميركل في إحدى خطاباتها “إذا فشلت أوروبا في مسألة اللاجئين فلن تكون أوروبا التي نريدها جميعاً”، ودعت الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي لإستقبال المزيد من الناس، وقالت “لا أريد الدخول في مسابقة حول من يمكنه معاملة هؤلاء الناس بشكل أسوأ في أوروبا”.

ترحيب المواطنين الألمان باللاجئين السوريين في 2015

بالنسبة للمستشارة الجريئة والحذرة في نفس الوقت مثلت تلك الكلمات قفزة سياسية عظيمة في مسيرتها المهنية، ومثلت عملاً بطولياً أخلاقياً سيظل في سيرتها وإرثها.

بحلول نهاية عام ٢٠١٥ كان مليون لاجئ قد دخل إلى الأراضي الألمانية، وكان ذلك محل نقد من قبل كبار الساسة. قال “هنري كسنجر” تعليقاً على ذلك “إيواء لاجئ واحد هو عمل إنساني، لكن السماح بدخول مليون غريب فهذا أمر يعرِّض الحضارة الألمانية للخطر”.

وقال الكاتب الأمريكي “روس دوثات” منتقداً ميركل “أي شخص يعتقد أن ألمانيا يمكنها إستيعاب هجرة بهذا الكم، مع الإختلاف الثقافي الكبير بسلام فهو أحمق”، وعبر كذلك وزير الخزانة الأمريكي الأسبق “هانك باولسن” عن مخاوفه من أن قضية اللاجئين ستكون بمثابة “تراجع سياسي” للمستشارة الألمانية.

مع مرور السنوات وبعد الانتقادات الحادة التي تعرضت لها ميركل تبين أنها إختارت المسار الصحيح تماماً في تعاملها مع المهاجرين، ليس فقط لألمانيا بل لكل العالم. وأصبح بعضهم الآن ينادي بتطبيق نفس السياسات لتعويض نقص العمالة والتقليل من حدة موجة التضخم التي تضرب العالم.

قال “كونستانز ستلزنمولر” الخبير في العلاقات الدولية في معهد بروكينجز “كان الاقتصاد يبحث عن العمالة قبل وباء كورونا، لذلك كان هناك طلب حقيقي ورغبة من قبل الشركات وسوق العمل لتوظيف الناس، وبالطبع في ألمانيا لدينا خبرة لعقود طويلة في مجال التدريب الوظيفي يُنظر إليها من قبل الدول الأوروبية، وفي الواقع من قبل الولايات المتحدة على أنها نموذج يحتذى به”.

حاجة الغرب لمزيد من المهاجرين

هناك دليل واضح من الإحصائيات التي ينشرها الموقع الرسمي للمفوضية الأوروبية على وجود حاجة لمزيد من المهاجرين في أوروبا لعدة أسباب أولها قلة الإنجاب، وثانيها الهجرة المتزايدة من أوروبا.

تشير الإحصائيات إلى أن العمالة بين مواطني الاتحاد الأوروبي تتركز في قطاعات مثل الصحة، الدفاع، الإدارة، التعليم، المحاسبة والماليات.

هجرة المسلمين من فرنسا علامة على تعثر اقتصادي مؤكد سيضرب الجمهورية، إنها "مسألة وقت"

أما العمالة غير الأوروبية فتتركز في جميع القطاعات الأخرى مثل الخدمات، التجارة، الإمداد والتموين، النظافة والخدمات العامة، الفندقة، وغيرها. هذه القطاعات تمثل الجزء الاكبر من سوق العمل الأوروبي مقارنة بالقطاعات التي يتركز فيها المواطنون الأوروبيون.

في فرنسا مثلاً إذا وجدت عاملاً من السكان الأصليين في تلك القطاعات، ستجد في ملامحه شئ من السخط وعدم الرغبة بالقيام بالوظائف التي من المفترض أن يقوم بها المهاجرين والفرنسيين من ذوي الأصول العربية والأفريقية.

في بريطانيا تسبب نقص العمالة في أزمات اقتصادية في طريقها للنمو خصوصاً بعد خروجها من مظلة الإتحاد الأوروبي.

في الولايات المتحدة صرح رئيس غرفة التجارة الأمريكية بأن الترحيب بمزيد من المهاجرين يمكن أن يحل مشكلة التضخم ونقص العمالة، وتستمر قائمة الدول الغربية التي تعد في حاجة ماسة لمزيد من المهاجرين لإنقاذ الاقتصاد.

أوروبا لديها مشكلة حقيقية في الانجاب لذلك تلقب بالقارة العجوز، ويظهر ذلك في الإحصائيات الرسمية، فتعداد المواليد مثلاً في عام 2020 يقدر بـ4.2 مليون، وتعداد الوفيات يقدر بـ4.7 مليون وفاة، مما يعني انكماش عدد السكان بواقع نصف مليون شخص.

عدد المهاجرين إلى دول الإتحاد الأوروبي في 2019 كان 2.7 مليون شخص، في مقابل 1.2 مليون شخص هاجروا من دول الإتحاد الأوروبي، مما يعني أن المزيد من الناس يتركون أوروبا ويذهبون إلى دول أخرى بحثاً عن فرص وقبول أكبر.

احصائيات الهجرة من وإلى دول الإتحاد الأوروبي

الاقتصاد الفرنسي لا يحتمل فوز اليمينيين

نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً مفصلاً حول هجرة المسلمين من فرنسا، وذكرت أن المنافسين الثلاثة الأوائل للرئيس إيمانويل ماكرون – الذين من المتوقع أن يمثلوا ما يقرب من 50 في المائة من الأصوات، وفقًا لاستطلاعات الرأي – يديرون حملات مناهضة للمهاجرين عبر إثارة مخاوف لدى الفرنسيين من مواجهة تهديد حضاري يتمثل في غزو “غير الأوروبيين”.

وتأتي هذه القضية على رأس جدول أعمالهم، على الرغم من أن الهجرة الفعلية إلى فرنسا متخلفة عن مثيلتها في معظم الدول الأوروبية الأخرى.

المشكلة بالكاد هي الهجرة. لسنوات، ظلت فرنسا تفقد مهنيين متعلمين تعليماً عالياً يسعون إلى مزيد من الفرص في أماكن أخرى. لكن من بينهم، وفقًا للباحثين الأكاديميين، عدد متزايداً من المسلمين الفرنسيين الذين يقولون إن التمييز كان دافعاً قويًا لهجرتهم، وأنهم شعروا بأنهم مجبرون على المغادرة بسبب التحيز والأسئلة المزعجة حول أمنهم والشعور بعدم الانتماء.

لقد حدث تدفق هؤلاء إلى الخارج دون ملاحظة من قبل السياسيين ووسائل الإعلام، حتى عندما يقول الباحثون إنه يظهر فشل فرنسا في توفير مسار للتقدم حتى لأكثر مجموعات الأقليات نجاحًا، “هجرة العقول” لأولئك الذين كان من الممكن أن يكونوا نماذج التكامل.

قال أوليفييه إستيفيز، الأستاذ في مركز العلوم السياسية والقانون وعلم الاجتماع بجامعة ليل، والذي أجرى مسحًا لـ900 مهاجر فرنسي مسلم وأجرى مقابلات متعمقة مع 130 منهم “هؤلاء الأشخاص ينتهي بهم الأمر بالمساهمة في اقتصاد كندا أو بريطانيا”. “فرنسا تطلق النار على نفسها حقًا”.

يحتل المسلمون الفرنسيون، الذين يقدر عددهم بنحو 10 في المائة من السكان، مكانًا غريبًا في الحملة الانتخابية – حتى لو نادراً ما تُسمع أصواتهم الفعلية. إنه ليس فقط مؤشرًا على الجروح العالقة التي سببتها هجمات 2015 و 2016، التي أودت بحياة المئات، ولكنه أيضًا مؤشر على صراع فرنسا الطويل حول قضايا الهوية وعلاقتها السيئة مع مستعمراتها السابقة.

يتم ربط الفرنسيين المسلمين بالجريمة وغيرها من الأمراض الاجتماعية من خلال تعبيرات سافرة مثل “مناطق غير فرنسية”، التي استخدمتها فاليري بيكريس، مرشح يمين الوسط المرتبطة الآن بالزعيمة اليمينية المتطرفة مارين لوبان، التي تأتي في المركز الثاني خلف ماكرون.

وقد تم توجيه إدانات للمسلمين من قبل المحلل التليفزيوني اليميني المتطرف والمرشح للرئاسة إريك زمور، الذي قال إن أصحاب العمل لهم الحق في حرمان السود والعرب من الوظائف.

أثار مضمون خطاب المرشحين الرهبة بداخل الفرنسيين الذين يشاهدونه من الخارج، كما يقول بعض من غادر فرنسا بالفعل، وتحدثوا بمزيج من الغضب عن وطنهم الأم، حيث لا يزال لديهم روابط عائلية وغيرها من الروابط القوية في فرنسا.

الأماكن التي استقر فيها هؤلاء، بما في ذلك بريطانيا والولايات المتحدة، ليست جنة خالية تماماً من التمييز ضد المسلمين أو الأقليات الأخرى، لكن الذين تمت مقابلتهم قالوا إنهم شعروا بفرصة وقبول أكبر هناك. قال البعض إنه خارج فرنسا، ولأول مرة، لم يتم التشكيك في حقيقة أنهم فرنسيون.

مشكلة المسلمين والمهاجرين لا يتم الحديث عنها من قبل الساسة الفرنسيين، إلا أنها ستُفقِد فرنسا الكثير من الكوادر التي يمكن أن تساهم في الاقتصاد الفرنسي.

في حال فوز أحد مرشحي اليمين المتطرف أو اليمين الوسط بالتأكيد سيسرع ذلك تعثر الاقتصاد الفرنسي الذي يعد بالأساس في أسوأ حالاته منذ عدة سنوات، وستقوم دول اخرى باستغلال تلك الموارد البشرية الضخمة.

فكم رأينا من مستشاري رؤساء، وسياسيين وأعضاء برلمان، ورؤساء مدن مسلمين في كندا وبريطانيا والولايات المتحدة، وهو ما يستحيل أن تراه الآن في فرنسا ولا حتى في غرب أوروبا بشكل عام.

قد لا يكون تأثير تلك المشكلة جلياً للشخص الغير متعمق في السياسة والاقتصاد. لكنها بجانب مشاكل الانجاب سيكون لها أثر كارثي على الاقتصاد، أكثر من الحرب الروسية الحالية على أوكرانيا، وأكبر من وباء كورونا المستجد Covid-19، وأكبر من أي مشكلة ظهرت في العقدين الأخيرين. إنها فقط “مسألة وقت” حتى نشهد تعثر الاقتصاد الفرنسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *